الجمعة، 28 فبراير 2014

فتن الشام وسبل الوقاية منها ( الحلقة الرابعة من سلسلة الوقاية من الفتن ) .

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :

***

نتكلم في هذه الحلقة أيها الإخوة بإذن الله عن الأحداث المؤسفة التي تجري على ارض الشام والاختلاف بين الفصائل الجهادية والذي أهريقت فيه الدماء واثر على مجرى الأحداث وأعطى فرصة للنظام لالتقاط أنفاسه من جديد .
وللحديث عن هذه الفتن وتوضيحها ومعرفة حقيقتها وسبل الوقاية منها لا بد من النظر للأمور من جوانبها المختلفة حتى نصل إلى نتيجة صحيحة وخاصة الخلاف المتصاعد بين جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام .
فللأسف الشديد الكثير ممن تكلم في هذه الأحداث لم ينظروا فيها من جوانبها المختلفة مما أدى إلى زيادة الانقسامات وتصاعد الخلافات .
وهناك الكثير من المدسوسين في المنتديات الجهادية وتويتر وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يؤججون في هذه الفتن وينفخون في نارها كالوزغ أبعدهم الله , ويعملون لصالح أجهزة الاستخبارات السلولية .
ولاشك أن هناك تطور نوعي واضح في عمل أجهزة الاستخبارات وكلاب المباحث ويبدو أن هذه التطور جاء بعد دراسات مستفيضة لأحوال المجاهدين واستطاعوا استغلال نقاط الضعف الحاصلة في التيار الجهادي لزرع الفتنة والخلافات بينهم والآن للأسف بدأت جهودهم تثمر وتؤتي أكلها الخبيث .
ولكن لا تحزنوا أيها الإخوة فهذا الإثمار لجهود أجهزة الاستخبارات مؤقت ولن يطول وهو من تقدير الله ليميز بين صفوف المجاهدين ويطهرها لتكون الغلبة في نهاية المطاف لأهل الإيمان الخلص وليتخذ الله من أوليائه شهداء .
ويمكن تلخيص هذا التطور النوعي في عمل أجهزة الاستخبارات في عدة نقاط نذكرها ليستفيد منها مجاهدو الشام وغيرهم وليحذروا من كيدهم ومكرهم .
أولا : ركوب موجة الجهاد في سبيل الله ومحاربة الجهاد باسم الجهاد فقد علمت أجهزة الاستخبارات أن جهودهم في محاربة القاعدة والجهاد في سبيل الله والوقوف في وجه التيار الجهادي أنها باءت بالفشل وجاءت بالوشل فما احد يستطيع أن يحجب الشمس عن الناس بغربال .
ولذالك وجدوا أن انسب طريقة لمحاربة الجهاد هو محاربته باسم الجهاد ودعم الفصائل التي توافق على شروطهم وتنفذ مخططاتهم الصهيونية بل الذي يظهر أن الأمر تجاوز ذالك إلى إنشاء فصائل جهادية وذالك بالاستعانة ببعض مشايخ ما يمكن أن نسميهم مجازا بالسرورية التابعين للأنظمة السلولية وبذالك تستطيع توجيه تلك الفصائل والتحكم فيها بطريقة أو بأخرى عن طريق هؤلاء المشايخ .
فمشايخ السرورية للأسف قد سقطوا منذ زمن بعيد بسبب مداهنتهم للحكام ومنهجهم المنحرف فكثرت تناقضاتهم وأصبحوا في خندق الطواغيت والمجرمين وهم لا يشعرون بل أصبحوا كالجامية أو شرا منهم والعياذ بالله .
وسنذكر الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الجماعات لاحقا إن شاء الله .
ثانيا : استغلال الضعف الفكري والعلمي واندفاع الشباب وحماسهم لدى الكثير من المجاهدين وأنصارهم في نشر الخلافات بينهم وإشعال نار الفتن لاسيما في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي .
وهذا الدور تقوم به بعض المنتديات المشبوهة كمنتدى أنا المسلم والذي يظهر لي والله اعلم أن استخبارات ابن سلول تتحكم فيه بطريقة أو بأخرى .
فنلاحظ فيه كثرة المعرفات التي لا هم لها سوى السباب والشتائم وعدم النقاش الموضوعي وفي نفس الوقت أوقف الكثير من الأفاضل الذين يضعون النقاط على الحروف ويستطيعون حسم الخلافات وتوضيحها وهذا يثير الشك والريبة في هذا المنتدى .
فبقاء الخلافات وتزايد السباب والشتائم وانعكاسها سلبا على المجاهدين وكثرة الجدال والمراء هذا الذي تريده أجهزة الاستخبارات وتسعى إليه منذ زمن بعيد .
وها نحن نرى اثر ذالك في الجيل الجديد من المجاهدين اليوم وكثرة الخلافات بينهم وعدم اتساع صدور الكثير منهم للرأي الآخر وكثرة السباب والشتائم وإطلاق أحكام التكفير والتخوين في مسائل خلافية فيها سعة مع أن الناظر في خلافاتهم في تلك المسائل يجد اغلبها خلافات لفظية أو ناتجة عن سوء الفهم وضيق الأفق لدى احد الطرفين أو كليهما .
ولذالك أنا انصح الإخوة بالابتعاد عن هذه المنتديات المشبوهة الغير موضوعية والتي تخدم أجهزة الاستخبارات السلولية وكلاب المباحث الذين يستغلونها لإشاعة الفرقة والفتن وكذالك يستغلونها كمصيدة لأنصار الجهاد وكذالك لتحليل طريقة تفكير المجاهدين وأنصارهم ودراسة التيار الجهادي لتفتيته من داخله .
ولو لم يتركها الإنسان إلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا ) الحديث , وفي الأثر كذالك ( ما هلك قوم إلا وأوتوا الجدل ) لو لم يتركه الواحد إلا لذالك لكفى .
وحتى نكون منصفين أيها الإخوة لا يفهم من كلامي انه يشترط أن يدير هذه المنتديات ضباط استخبارات بل هي موجهة من هذه الأجهزة بطريقة أو بأخرى إما باستغلال فكر ومنهج منحرف لدى القائمين على هذه المنتديات أو وضع خطوط حمراء لهم يعملون في أطرها أو إلزامهم بحذف بعض المعرفات والإبقاء على أخرى , وفي الغالب يبقون على المعرفات التي تشعل الخلاف والنزاع وتزيد في الفرقة والفتن كما بينا .
ثالثا : استغلال الأخطاء الإستراتيجية والسياسية التي تقع فيها الفصائل المقاتلة لتدمير المشروع الجهادي وتأجيج نار الفتن كخطأ إعلان الدولة الإسلامية في الشام ورفض الدولة التحاكم للشرع ووضع شروط باطلة في ذالك وغير ذالك من الأخطاء الإستراتيجية والسياسية التي وقعت فيها الدولة الإسلامية .
فأجهزة الاستخبارات تستغل هذه الأخطاء وتروج لها في وسائل الإعلام بهدف إفشال المشروع الجهادي وتشويه صورة هذه الفصائل الجهادية .
ويقوم بعد ذالك موظفو المباحث المنتشرون في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي بعضهم يقوم بدعم الدولة وتأييدها بقوة في قراراتها وأخطائها الإستراتيجية وآخرون يقومون بذمها ونقدها وذالك لإشعال الفتن وتأجيج نيرانها فتختلط الأصوات بذالك على الناس وتضيع أصوات المصلحين والناصحين بين هذه الأصوات فيعز الإصلاح .
رابعا : اغتيال القيادات الصادقة المؤثرة في الشام وذالك حتى يبقى المقاتلون بلا قيادات واعية فيسهل بذالك على أجهزة الاستخبارات إشعال نار الفتن بين المقاتلين وتدمير المشروع الجهادي أو حرفه عن مساره الصحيح .
خامسا : اختراق الجماعات المجاهدة وذالك إما عن طريق إرسال عناصر من رجال الاستخبارات يندسون بين الصفوف أو عن طريق رشوة بعض ضعفاء الإيمان الموجودين في صفوف المجاهدين أو عن طريق الاختراق الفكري والتوجيه من قبل مشايخ السلطان وعلماء السوء .
سادسا : العمل على تقسيم التيار الجهادي إلى معتدل وآخر متشدد وهذا المخطط تقوم بتنفيذه أجهزة الاستخبارات والأنظمة السلولية والعمل عليه من سنوات بدأ من أفغانستان للتفريق بين القاعدة وطالبان فلم يفلح فحاولوا بعد ذالك شق صفوف طالبان وتقسيمهم إلى متشددين ومعتدلين ولم يفلحوا إلى الآن .
واليوم يحاولون تنفيذ نفس المخطط في الشام وتقسيم المجاهدين إلى متشددين ومعتدلين وستفشل خططهم أيضا بإذن الله .
فهذه ابرز الطرق التي يعتمد عليها أجهزة الاستخبارات اليوم لمحاربة الجهاد وإيقاف مده وحرفه عن مساره الصحيح فعلى المجاهدين أن يكونوا على حذر ويحرصوا على التأني قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بالقتال أو المفاصلة بين أي تيار جهادي وآخر في الشام .
أما ما يتعلق بالفتن والقتال الدائر بين الدولة الإسلامية في العراق والشام من جهة وبين جبهة النصرة والفصائل الأخرى من جهة أخرى وسبل الوقاية من تلك الفتن فللحديث عن ذلك لابد أن ننظر إلى الموضوع من زواياه المختلفة حتى نصل إلى نتيجة صحيحة وبالتالي يخرج الإنسان من تلك الفتن بشكل صحيح .
وسأتكلم عن هذه الفتن والأحداث وسبل الوقاية منها في نقاط مختصرة من لزمها لن تضره تلك الفتن بإذن الله وكذلك سأذكر وصايا عامة للمجاهدين في الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهم من الجماعات المقاتلة الأخرى :
أولا : فيما يتعلق بأخطاء الدولة الإسلامية في العراق والشام والفتن التي حدثت بسبب تلك الأخطاء حتى وصل الحال بأمير جبهة النصرة إلى إمهال الدولة خمسة أيام لتراجع أخطاءها أو يعلن قتالها وذالك بعد مقتل أبي خالد السوري رحمه الله .
والى الآن لم تعلن الدولة مسؤوليتها عن مقتل أبي خالد السوري رحمه الله وقد المح الجولاني إلى ذالك في خطابه , فان صح ذالك فهذه مصيبة عظيمة ودمه بلاشك سيكون لعنة على من قتله ولو بعد حين .
فالدولة في الحقيقة لديها أخطاء إستراتيجية وقد خطاها الكثير من قادة الجهاد والعلماء وعلى رأسهم الشيخ أيمن الظواهري وفقه الله ولكن الدولة أصرت على أخطائها وتمادت فيها للأسف وزادت أخطاؤها السياسية بعد ذالك كرفضهم للتحاكم إلا بشروط باطلة وكذالك فرضهم الجزية على نصارى الشام ؟!
فعلى مجاهدي الدولة أن يتقوا الله ويتراجعوا عن هذه الأخطاء فما زال هناك وقت لذالك والتراجع عن الأخطاء ليس منقصة بل هو مكرمة ويدل على فضيلة صاحبه .
وقد اقترحنا عليهم من قبل في الرسالة الأولى  تشكيل مجلس شورى يضم جميع الفصائل الجهادية التي أعلنت منهجها وأنها تريد إقامة دولة الإسلام وتطبيق الشريعة ويقوم هذا المجلس بعمل محكمة مشتركة يرجع إليها للفصل في قضايا الفصائل الجهادية فهذا هو السبيل الصحيح لعلاج هذه المسالة ومعالجة هذه الأخطاء وإلا فسيستمر القتال والنزاع وستتحمل الدولة مسؤولية الدماء التي ستهراق بسبب ذالك .
وهنا لا بد أن نكون منصفين عند نقدنا لأي حركة جهادية فالحديث عن أخطاء لا يعني نسف الحركة بأكملها ونسف جميع جهودهم السابقة وإثخانهم في أعداء الله في العراق من الصليبيين والرافضة والمرتدين .
ففي الدولة الكثير من المجاهدين الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل الله , وما زلنا نؤمل الخير في الكثير من مجاهديها ونرجو أن يعودوا إلى الحق ويغلبوا مصلحة الأمة على مصلحة جماعتهم ودولتهم .
ونحن لا نحمل الدولة مسؤولية كل الدماء التي أهريقت بين المجاهدين بل إن الكثير من مجاهدي الدولة قتلوا ظلما واستبيحت دماؤهم وأعراضهم من قبل بعض الفصائل المدعومة من الأنظمة السلولية .
ثانيا : الفصائل التي أعلنت موقفها من الشريعة وأنها تقاتل من اجل إقامة دولة إسلامية وتطبيق شرع الله الأصل أنها حركات إسلامية وعلى المنهج الصحيح ولا يجوز إخراجها من هذا الأصل إلا ببينة ثابتة لا تحتمل التأويل ومن كفرهم واستباح دماءهم بتأويل غير سائغ فهو من الخوارج .
واعلموا أن من بيت الغدر والخيانة وأخفى نفاقه من هذه الفصائل واظهر خلاف ما يبطن فان الله سيفضحه ويكشف أمره وحينئذ يتعامل معه المجاهدون بمقتضى الشرع واما قبل ذالك فلا سبيل إلا للأخذ بالظاهر .
قال الله تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) وقال (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)
فالتعامل الشرعي الصحيح مع أهل النفاق والريب يكون بالصبر والتقوى ركنان لا بد منهما فإذا فقد احدهما غاب المنهج .
ثالثا : إذا تقاتل فصيلان جهاديان فان الواجب الإصلاح بينهما فن أبى احد الفصيلين الصلح وبغى على الطرف الآخر فان الواجب قتال الطرف الباغي حتى يفيء إلى أمر الله قال الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ , إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .
فقتال أهل البغي من اوجب الواجبات التي حث الإسلام عليها وذالك حتى يبقى الحق ظاهرا واعلموا أيها الإخوة أن اجر قتال البغاة أعظم من اجر قتال الكفار الحربيين , وقد فصلنا في هذه المسالة في الحلقة الثانية من هذه السلسلة فتراجع هناك .
رابعا : جعل الله الخيرية في هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) وقال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اوجب الواجبات بل عده بعض أهل العلم ركنا سادسا من أركان الإسلام فليضع المجاهد على عاتقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذالك اضعف الإيمان ) وكذالك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم وأطره على الحق أطرا .
ولذالك لا تدوم الخيرية في هذه الأمة وتسلم سفينة المجتمع إلا بهذه الشعيرة العظيمة ولذالك يجب على المجاهدين الوقوف مع الحق ونصرة المظلومين والأخذ على يد الظالمين والسفهاء وعدم النظر في ذالك إلى الجماعات والانتماءات فهذه الأمة امة واحدة .
فإذا فعل المجاهدون ذالك استقامت أحوال جميع الفصائل لأنه من يظلم من أي فصيل سيجد من يأخذ على يديه ويأطره على الحق  سواء كان من جماعته أو من غيرها .
خامسا : طاعة الأمراء لا تكون إلا في المعروف فإذا أمر الأمير بمعصية فلا طاعة له ولذالك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( إنما الطاعة في المعروف ) .
وكذالك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة أميرا على سرية وكان فيه دعابة فأووا إلى منزل فأضرموا نارا فقال لهم أميرهم أولست بأميركم ؟ قالوا بلى ! قال أوليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا بلى ! قال فاني آمركم أن تدخلوا في هذه النار فاستعد بعضهم لفعل ذلك ثم إنهم قالوا إنما نفر من النار فلم يدخلوها , فلما رجعوا إلى المدينة واخبروا الني صلى الله عليه وسلم الخبر قال ( لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا إنما الطاعة في المعروف ) .
فطاعة الأمراء أيها الإخوة لا تكون إلا في المعروف فإذا أمر الأمير بمعصية فلا طاعة له .
ولذالك يجب أن يكون المجاهد على علم ودراية تامة بأي عملية يقدم عليها لاسيما العمليات الاستشهادية ولا يقدم على أي عملية حتى يتأكد منها ويعرف تفاصيلها .
وليس من حق الأمير أن يخطط من دون مشورة ويأمر فقط أتباعه وهم يقومون بالتنفيذ من دون معرفة لحقيقة ما يقدمون عليه .
فهذا الأمر خطير جدا خاصة لو وصل إلى الإمرة دجال أو رجل مباحث فانه قد يرسل المجاهدين إلى قتال إخوانهم من الفصائل الأخرى المجاهدة ويخدعهم بذالك أو قد يرسل استشهاديين لنسف إخوانهم في الفصائل الأخرى المجاهدة وهم يحسبون أنهم ينسفون مقرا أو هدفا للنظام السوري .
وقد حدث هذا للأسف من بعض قيادات الدولة الذين خدعوا أتباعهم وأرسلوهم في عمليات استشهادية لقتال إخوانهم المجاهدين وقد لطف الله ببعضهم فنجوا واكتشفوا أنهم خدعوا من قبل تلك القيادات الذين اخبروهم أنهم يقاتلون البككة أو قوات النظام ليفاجؤوا بعد ذالك بالواقع المر وأنهم خدعوا .
فلاشك أن هؤلاء مجرمين ويجب على الدولة محاسبتهم ومحاكمتهم والأخذ على أيديهم وجعلهم عبرة للناس .
سابعا : لا يجوز التوسع في العمليات الاستشهادية والضرب بالمفخخات إلا بعد استيفاء شروطها كتعذر الإثخان في الأعداء إلا عن طريقها وكذالك التأكد من عدم وجود مدنيين من نساء أو أطفال في مكان العملية وكذالك عدم تضرر أملاك وأموال الناس بسببها وهذه الشروط يعز توفرها خاصة إذا كان القتال داخل المدن .
ثامنا : على المجاهدين الصادقين لاسيما  مجاهدي الدولة مسؤولية عظيمة لمواجهة الغلاة الذين بين أظهرهم فان تطهير الصفوف من الغلاة من اوجب الواجبات لا سيما ألئك الذين يتوسعون في مسالة التكفير ويكفرون الفصائل الأخرى التي أعلنت منهجها وأنها تريد تطبيق الشريعة بسبب شبه واهية وتأويلات غير سائغة .
فهؤلاء الغلاة في الحقيقة شؤم على الجهاد وأهله وسيأتي اليوم الذي يخرجون فيه على قادتهم ويكفرونهم ويقتلونهم .
ومن استباح دماء المجاهدين من هؤلاء الغلاة تحت تأويل غير سائغ فهو من الخوارج ويجب قتاله ورده إلى الحق وقتال الخوارج أجره عظيم فمن قاتلهم عن علم وبصيرة فانه ينال أجرا أعظم من اجر قتال الكفار الحربيين والبغاة .
وعلي رضي الله عنه لم يخبر أصحابه بما لهم من اجر عند الله خشية أن يفتنوا وذالك بعد قتالهم للخوارج في النهروان .
بل إن من يقتلهم الخوارج فإنهم من خير الشهداء عند الله كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والواجب في دفع الخوارج أن يواجهوا بالحجة والبرهان أولا فان أبوا وولغوا في الدماء المعصومة قوتلوا بالقدر الذي يردعهم ويدفع شرهم فلا يذفف لهم على جريح ولا يتبع لهم مدبر ولا تغنم منهم غنيمة ولا يعتدى على أعراضهم ولا يؤخذ منهم شئ إلا السلاح كما فعل علي رضي الله عنه عند قتاله للخوارج .
تاسعا : على المجاهدين السعي في الإصلاح بين الجماعات الجهادية وعدم الإكثار من القيل والقال أو الخوض في مسائل تحتاج إلى قضاء وفصل شرعي وعدم إشاعة ذالك في المنتديات فيستفيد منه رجال الاستخبارات وكلاب المباحث في التفرقة بين الصفوف وإشاعة الفتن .
قال الله تعالى (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
عاشرا : من بايع أميرا فانه يجب عليه الوفاء بالبيعة والسمع والطاعة في المعروف ولزوم النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يخرج عن الجماعة أو ينازع الأمير إلا إذا رأى منه معصية واضحة توجب خلعه  أو الخروج عليه  .
الحادي عشر : بالنسبة للفصائل المدعومة صليبيا والرافضة للشريعة فلاشك أنها فصائل منحرفة وتقوم على الكفر وهذه الفصائل ليس من الحكمة أو السياسة الصحيحة قتالها الآن ما لم تبدأ بقتال وإنما الواجب مهادنتها والتفرغ لقتال النظام البعثي الخبيث فإذا اسقط النظام يتم إقامة دولة الإسلام والتعامل مع هذه الفصائل بمقتضى الشرع .
الثاني عشر : على جميع الفصائل الجهادية العمل بالشورى والحرص على الشفافية وعلى المجاهدين الحذر من العمل تحت إمرة القيادات التي لا تعمل بالشورى وتدير القرارات في الغرف المظلمة وتريد ن أتباعها أن ينفذوا الأوامر كالآلات ومن دون معرفة حقيقة الأعمال التي يقومون بها وذالك قطعا للطريق أمام الدجالين في حال وصل احدهم إلى موقع قيادي أو إلى الإمرة لا سمح الله .
ولا يجوز للمجاهد أن يقوم بعمل لا يعرف حقيقته وليس ملزما بالطاعة في ذالك , وهذا بالطبع لا يعني عدم الطاعة في الأمور التي يرى المجاهد خلافها وهي من وجهات النظر فحينئذ تجب الطاعة وإلا لاضطربت الأمور وفسدت الجماعة .
الثالث عشر : لمن سألني هل يرجع إلى بلده بعد الخلافات التي تحصل الآن بين المجاهدين أقول لا يرجع احد إلى بلده فطريق الجهاد ليس مفروشا بالورود بل هو صعب وشاق والقتال ليس مقتصرا فقط على قتال الكفار الحربيين  بل كل من يحمل السيف في وجوه الناس فهناك طريقة شرعية للتعامل معه وذالك حسب حاله .
فمن قاتل في سبيل الله سواء كان قتال للكفار الحربيين أو لأهل البغي أو الخوارج فانه على اجر عظيم ومن قتل على ذالك وهو صابر محتسب فهو شهيد عند الله .
وكما أسلفت فان  اجر قتال البغاة والخوارج أعظم من اجر قتال الكفار الحربيين , ولذالك لا يجوز الرجوع وترك القتال والاستماع إلى إرجاف المرجفين وعلماء السوء في جزيرة العرب وخداع النظام السلولي الذي يعمل على إثارة هذه الفتن في الشام من اجل أن يرجع المجاهدون الذين خرجوا من الجزيرة لنصرة إخوانهم .
فالنظام السلولي فوجئ بالإعداد الكبيرة التي خرجت للجهاد في الشام وهو يخشى من عودتهم وهم مدربين على حرب الشوارع واستخدام أنواع الأسلحة فينقلبوا عليه ويسقطوا حكمه ولذالك يقوم بتهيئة السجون الآن ويعد الخطط لمواجهة هؤلاء المجاهدين حال عودتهم .
ونفس الأمر ينطبق على من يريد أن يهاجر وينفر في سبيل الله فمن أراد ذلك فليتوكل على الله ويأخذ بالأسباب وينفر وسيبلغه الله مناه ويحقق آماله ويكتب له جزيل الأجر والثواب .
فمن يريد الشهادة في سبيل الله فليس عليه أن يشترط طريقة معينة لموته فسواء قتل على أيدي العدو الحربي أو قتل غدرا أو قتله سهم غرب فكل ذالك في سبيل الله وسينال اجر الشهادة من الله ويرفعه الله درجات بقدر إخلاصه ونيته .
الرابع عشر : على مجاهدي الدولة الإسلامية الذين ينتمون إلى مجموعات منضبطة أن ينكروا على المجموعات الأخرى التي فيها غلو ويتوسعون في التكفير ويسبون قادة الجهاد في القاعدة الأم وينتقصون منهم , عليهم أن يواجهوهم وياطروهم على الحق ولو ادعى الأمر إلى قتالهم فليقاتلوهم حتى يردوهم إلى الحق والجادة وهكذا تسلم الجماعة من الانحراف .
أما مداهنة الأتباع والأصحاب ومسايرتهم في الباطل فهذا لا يؤدي إلا إلى الضياع والفشل والانهيار التام للجماعة .
وكذلك على جميع المجاهدين في الفصائل الأخرى أن يسلكوا نفس المنهج فينكروا على أتباعهم ومن معهم إذا وقعوا في خطا أو ارتكبوا مظلمة فعليهم أن يواجهوهم وياطروهم على الحق وبهذا تنقى الصفوف وتسلم الجماعات من الغلو والانحراف .
الخامس عشر : رسالة أوجهها إلى أنصار المجاهدين أقول لهم اتقوا الله ولا تتكلموا إلا فيما تعلمون واحذروا من مكر كلاب الاستخبارات والمباحث لا يستغلوكم في إشعال الفتن وإضرامها .
فللأسف اغلب من تكلم فيما يجري في الشام بين المجاهدين تكلموا من زاوية واحدة ونظروا للأمور بعين عوراء مما زاد من حدة الخلافات وأفاد كلاب الاستخبارات .
السادس عشر : قد حذرت الرؤى المتواترة من عودة حزب البعث من جديد وإحداثه فتنا عظيمة في الأمة وهذا يعني للأسف تقهقر المشروع الجهادي وهو ما تنذر منه الأوضاع اليوم فعلى الجميع أن يتقوا الله ويغلبوا مصلحة الأمة على مصلحة جماعاتهم واعلموا إن سنن الله ماضية ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا ( وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) .
وأخيرا أقول أيها الإخوة الحذر الحذر من العجب وتزكية النفس واعلموا أن دين الله منصور وان العاقبة للمتقين فقد قال وهو اصدق القائلين ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ , إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) .  
اللهم ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وترفع فيه رايتك وتعلى فيه كلمتك انك سمع الدعاء .
هذا والله اعلم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .

كتبه أبو حفص 
الاثنين، 3 فبراير 2014

الفتنة مفهومها وتعريفها ( الحلقة الثالثة من الوقاية من الفتن )

الحمد لله القائل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ )
واصلي واسلم على إمام المتقين وقائد الغر المحجلين سيدنا ونبينا محمد الأمين وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد :

***
فقد أصبحت كلمة الفتنة اليوم تستخدم في غير موضعها من قبل الطواغيت ودوابهم من علماء السلاطين ومشايخ الضلال والهمج كما هي عادة أهل النفاق في كل زمان وذالك للتهرب من أوامر الله والجهاد في سبيله وللخلود إلى الدعة والراحة .
فأصبحت اليوم كلمة الفتنة تستخدم للإرهاب الفكري و لتنفير الناس من الجهاد في سبيل الله ونصرة المستضعفين في الأرض وجهاد الطواغيت والمجرمين والظلمة .
ولذالك وجب التنبيه إلى مفهوم الفتنة وتعريفها في اللغة والاصطلاح وتوضيح معناها حتى لا تختلط الأمور على الناس بسبب تلبيس أهل الباطل واستخدامهم لمصطلح الفتنة في غير موضعها .
تعريف الفتن :
الفتن جمع فتنة و هي الابتلاء والاختبار والامتحان ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالإثم والكفر والقتل وغير ذالك من الأمور المكروهة .
فالفتن أيها الإخوة هي الابتلاءات والامتحانات التي يرسلها الله على الناس بغرض تمييز الخبيث من الطيب ومعرفة الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق والمؤمن ضعيف الإيمان من المؤمن قوي الإيمان .
وتكون الفتن في الخير والشر قال الله تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال على لسان سليمان عليه السلام ( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) فعد هنا سليمان عليه السلام الملك فتنة وبلاء من الله .
وقال الله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ , إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) وقال (ولَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) وقال (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) وقال (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) .
ومما سبق من النصوص يتضح لنا أيها الإخوة أن مفهوم الفتنة شامل لكل ما يرسله الله على الناس بغرض الابتلاء والامتحان والتمييز من خير أو شر .
وإرسال الفتن على الناس بغرض التمييز والاختبار هو من سنن الله في خلقه وعباده قال الله تعالى ( الم , أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) وقال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) وقال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) وقال (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) .
والنصوص في ذالك كثيرة ومستفيضة في أن الله يبتلي عباده ليمحصهم ويميزهم ويرفع بعضهم درجات .
قال الله تعالى (تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ  ) .
وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وان الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط ) الحديث , وأيضا جاء عنه عليه الصلاة والسلام انه قال ( أعظم الناس بلاء الأنبياء والصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس , يبتلى الرجل على قدر دينه فان كان في دينه صلابة زيد في بلائه وان كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالرجل حتى يمشي على ظهر الأرض وليس عليه خطيئة ) .
وهذا من سنة الله في البلاء فكلما زاد إيمان العبد وصلاحه كلما زاد بلاؤه فمن صبر على البلاء وقام بما أمره الله والتزم شريعته ودينه فله عظيم الأجر والثواب .
قال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال الاوزاعي ليس يوزن لهم ولا يكال لهم إنما يغرف لهم غرفا , وقال ابن جريج بلغني انه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط ولكن يزادون على ذالك .
ولذالك أيها الإخوة فان الإنسان مبتلى ومفتون في هذه الدنيا ولا يسلم إنسان من فتنة وابتلاء بل ترسل الفتن على الإنسان وتعرض على قلبه كعرض الحصير عودا عودا كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ( تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا فأيما قلب اشربها نكت فيه نكتة سوداء وأيما قلب كرهها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين ابيض مثل الصفا واسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما اشرب من هواه ) .
فإذا تقرر هذا المفهوم الشامل للفتنة كما جاءت به النصوص يتقرر عند كل عاقل أن السلامة من الفتن تكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه فمن جاءته فتنة فاتبع فيها أمر الله سلم ومن جاءته فتنة فلم يتبع فيها أمر الله فهو مفتون وساقط في الفتنة وراسب في الاختبار .
ولذالك فان المؤمن الصادق هو الذي يتبع أوامر الله ويجتنب نواهيه فيسلم من الفتن بخلاف المنافق والفاسق الذي يتهرب من أوامر الله ونواهيه فيقع في الفتن فيصبح مفتونا والعياذ بالله .
ولنضرب بعض الأمثلة لذالك في وقتنا هذا فما يحدث في سوريا مثلا من قتال أهلها للنظام البعثي الخبيث هو فتنة ولكن كيف يسلم المؤمن من هذه الفتنة ؟
لاشك أن السلامة من هذه الفتنة لا تكون إلا بقتال النظام البعثي الخبيث والعودة إلى تحكيم شرع الله ودينه وبالنسبة لعموم المسلمين تكون بنصرة إخوانهم بالنفس والمال والنفير للجهاد في سبيل الله حتى تقوم الكفاية لردع النظام الخبيث وإقامة دين الله وشريعته في الشام .
فمن فعل ذالك سلم من الفتنة ومن لم يفعل ذالك فهو مفتون وساقط في الفتنة والعياذ بالله .
وبهذا يتضح أن موقف علماء السلاطين في بلاد الحرمين وغيرها مما يجري في الشام هو الفتنة بعينها فمنهم من حرم الجهاد في سوريا واعتبر أن من يقاتل هناك ليس مجاهدا ومنهم حرم النفير إلا بإذن ولي الأمر ( الطاغوت ) ومنهم من حرم نصرة الفصائل الجهادية التي لا تدور في الفلك الصهيوني والأمريكي والعياذ بالله .
فلاشك أن فتاوي علماء السلاطين هذه هي الفتن بعينها ولا شك أن من عمل بها فهو مفتون والعياذ بالله .
فما يقوم به علماء السلاطين اليوم من الفتاوى المضللة الناصرة للطواغيت والممكنة للنظام الصهيوني العالمي والمحاربة للمستضعفين في الأرض والخاذلة للمسلمين لهي من أعظم الفتن التي سقط فيها الكثير من الناس والعياذ بالله .
وقد لبسوا على الناس دينهم وأضلوهم عن سواء السبيل باستخدامهم للنصوص في غير موضعها ووظفوها لمصلحة الطواغيت والمجرمين والصهاينة والعياذ بالله .
فمثلا النصوص التي جاءت في طاعة ولي الأمر يوظفونها من اجل الطواغيت والمجرمين المغتصبين لسلطان الأمة ومجدها , فنحن لا ننكر النصوص التي جاءت في طاعة ولي الأمر الشرعي الذي قامت له بيعة صحيحة ويحكم بشرع الله وارتضاه الناس إماما لهم هذا الذي تجب طاعته في المعروف , أما الطواغيت والمجرمين والصهاينة المغتصبين لسلطان الأمة الذين يحكمون بشريعة الطاغوت فهؤلاء يجب جهادهم وقتالهم وخلعهم ولا طاعة لهم .
فأسال الله أن يرينا في علماء السلاطين يوما اسودا وان يخزيهم ويجعلهم عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين .
ثم إن علماء السلاطين هؤلاء الذين يحذرون الناس من الجهاد في سبيله ونصرة المستضعفين والمظلومين  تحت مسمى الفتنة هم غارقون في الفتن إلى مشاش رؤوسهم  .
وأنا أقول لعلماء السلاطين هؤلاء أليس طاغوتكم هو الذي مول الانقلاب في مصر وقام بدعم الزنادقة والمرتدين والطواغيت والمجرمين فيها بمليارات الدولارات  من فيء الأمة وثرواتها المغتصبة في بلاد الحرمين أليست هذه فتنة  ؟!
أليس الرضا بحكم النظام السلولي الصهيوامريكي لكم وتسخير إمكانات بلد الحرمين وثرواتها ورجالها وإعلامها لخدمته أليس هذا فتنة ؟
أليس سجن خيرة رجالكم ونسائكم وعلمائكم وتعذيبهم في سجون النظام السلولي وانتهاك حرماتهم وانتم راضون بذالك أو صامتون وتسبحون بعد هذا بحمد طواغيتكم ومجرميكم أليس هذا فتنة ؟
أليس النظام السلولي يوالي الصليبيين والصهاينة ويناصرهم على المسلمين ويقوي اقتصادهم ويسمح لهم بعمل القواعد العسكرية لضرب إخوانكم المسلمين والمجاهدين في اليمن وأفغانستان والصومال وغيرها أليست هذه فتنة ؟
أليس النظام السلولي هو الذي أشعل نار الفتنة بين المجاهدين في سوريا ويعمل الآن لإنشاء الصحوات فيها ويمول الاضطرابات في تركيا وتونس واليمن وذالك لإعادة الأنظمة الاستبدادية الكفرية الكارهة للدين وأهله إلى تلك الدول أليست هذه فتنة ؟
بلى والله هذه هي الفتن العظيمة التي رسب فيها أكثر الناس اليوم في بلاد الحرمين وغرقوا فيها إلى مشاش رؤوسهم والعياذ بالله .
واستخدام كلمة الفتنة للتهرب من أوامر الله وشرعه هو من سبيل أهل النفاق والريب والعياذ بالله قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) .
روى محمد بن اسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله ابن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة ( هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر ) فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني , فوالله لقد عرف قومي ما رجل اشد عجبا بالنساء مني واني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا اصبر عنهن , فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ( قد أذنت لك ) فنزلت فيه هذه الآية .
قال ابن كثير في هذه الآية أي إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذالك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم . انتهى
فالفتنة كل الفتنة أيها الإخوة بالتخلف عن أمر الله وأمر رسوله والبعد عن الدين والتحاكم إلى الطواغيت والمجرمين والركون إلى الظالمين .
وليس في الجهاد في سبيل الله والنفرة لنصرة دينه وقتال أهل الكفر والبغي ومقارعة الطواغيت والمستبدين  فتنة فهذا لا يكون فتنة إلا في قاموس أهل الزيغ والنفاق .
فالتاريخ يعيد نفسه أيها الإخوة فكما استخدم المنافقون كلمة الفتنة للتهرب من أمر الله ودينه من قبل فها هم يستخدمونها اليوم وسيظل أهل النفاق يستخدمونها إلى اليوم الدين من اجل التهرب من أوامر الله ودينه وشريعته .
أنواع الفتن :
يمكن تقسيم الفتن أيها الإخوة إلى قسمين فتن شهوات وفتن شبهات .
أما فتن الشهوات فهي الفتن التي تخص الشهوات التي تميل إليها النفوس بطبعها كفتنة الأموال والأولاد قال الله تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) .
فهذه الشهوات من حب الأموال والأولاد والأهل العشيرة والديار والنساء وغير ذالك من الشهوات هي فتن فمن لم تشغله تلك الفتن عن أمر الله ولا صدته عن سبيل الله فهو فائز وناج أما من ألهته هذه الفتن عن ذكر الله وطاعته ولم يعمل فيها بما أمر الله فهو ساقط ومفتون والعياذ بالله .
قال الله تعالى ( ياايها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) وقال (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ , فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ , فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) وقال ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) .  
فالمال فتنة لمن لم يؤدي حقه من النفقات الواجبة ولمن لم يشكر الله على ما انعم به عليه من مال ولمن لم يف بما وعد الله به من الصدقة والصلاح .
أما النوع الثاني من الفتن فهو فتن الشبهات وهي التي تتعلق بالكفر والإيمان , والبدع والمحدثات في الدين فهذه الشبهات التي تصد الناس عن الحق وتفتنهم عنه هي من أعظم الفتن وأشدها .
وهذه الفتن يحدثها أهل الأهواء والنفاق وعلماء السوء ومشايخ الضلال بهدف صرف الناس عن الحق وتوظيف الدين لمصلحة السلاطين والمجرمين .
وأكثر فتن هذا الزمان اسودادا إنما هي من قبل هذا النوع من الفتن وجلها ناشئة من تلبيسات علماء السلاطين ومشايخ الضلال أخزاهم الله الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به .
ولا تكون السلامة من هذه الفتن إلا بطلب العلم الشرعي الصحيح القائم على الكتاب والسنة والسير على الطريق الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون  .
وكل الفتن تندرج تحت هذين النوعين أو كلاهما وتختلف طبيعة هذه الفتن وشدتها باختلاف الزمان والمكان فلكما تقدم الوقت وقرب الناس من آخر الزمان كلما اشتدت الفتن وأظلمت .
وان شاء الله سنتكلم بمزيد من التفصيل عن الفتن المظلمة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وتكون في هذه الأمة في آخر الزمان .
هذا وأسال الله أن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
والله اعلم
كتبه أبو حفص

يتبع إن شاء الله . 

من الارشيف / الوقاية من الفتن ( الجزء الثاني ما جاء في قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد .

***
شرع الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال أهل البغي أيها الإخوة درءا للفتن وسدا لبابها وحماية لسفينة المجتمع من تسلط أهل البغي والفسق والفجور وكثرة الخبث والموبقات .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال أهل البغي هي الايجابية التي يجب أن يكون عليها المجتمع إحقاقا للحق وحماية للأمة ودفعا لأهل الظلم والفجور .
ولو أن الأمة تقوم بواجبها في ذالك لما تسلط عليها الطغاة والمجرمون ولما عظمت الفتن ولما عاد الدين غريبا كما بدا غريبا ولما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه اليوم .
يقول المولى جل وعلا ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين ) .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الاية الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :  ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا )  يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ أَهْل الْإِيمَان اِقْتَتَلُوا , فَأَصْلِحُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَيْنهمَا بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْم كِتَاب اللَّه , وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا , وَذَلِكَ هُوَ الْإِصْلَاح بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ) :  وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلَى أَمْر اللَّه ( فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا اِقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى حُكْم اللَّه , وَيُنْصِف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , فَإِنْ أَجَابُوا حَكَمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه , حَتَّى يُنْصِف الْمَظْلُوم مِنْ الظَّالِم , فَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ أَنْ يُجِيب فَهُوَ بَاغٍ , فَحَقّ عَلَى إِمَام الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجَاهِدهُمْ وَيُقَاتِلهُمْ , حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْر اللَّه , وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّه .انتهى .
ولو اعتزل الناس قتال أهل البغي والأخذ على أيديهم حتى يعودوا إلى جادة الحق لعظمت الفتن ولتسلط الفجار والظلمة على الناس ولغرقت سفينة المجتمع .
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والله ما ندمت على شئ ندمي على تركي قتال البغاة !
وذالك لما رأى ما آلت إليه الأمور بعد ذالك وعلم أن عليا رضي الله عنه كان محقا في اجتهاده في ذالك وكان الواجب على الناس ألا يختلفوا عليه رضي الله عنه , وان يقاتلوا معه ألئك البغاة حتى يردوهم إلى جادة الحق .
وفي الحديث عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ). فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال ( تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه ) . متفق عليه .
وكذالك فان من أهم أسباب الوقاية من الفتن ودرئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يمكن أن تسلم سفينة المجتمع من غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فعند الترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) حسنه الألباني .
فالناس مخيرون بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو نزول العقاب من الله وتسلط أهل الفسق والفجور وغرق سفينة المجتمع .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول درء الفتن وحماية المجتمع من كثرة الخبث والفتن .
والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينجيه الله من الفتن ويصرف عنه العقاب إذا نزل بالناس , وقد جاء في قصة أهل السبت أن الله إنما نجى الآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر دون غيرهم فقال ( وإذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون . فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) .
فالذين نجوا من عذاب الله هم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أما الذين اعتدوا في السبت فقد مسخهم الله قردة وخنازير واختلف أهل التفسير في الذين قالوا ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) فقال بعضهم أنهم هلكوا مع من هلكوا وقال آخرون أنهم نجوا مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
وعلى المسلم أن يصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق وان يصبر على الأذى المترتب على ذالك ينال عظيم الاجر عند الله فمن يقوم بهذه الفريضة فلابد أن يلحقه الأذى من أهل الفسق والفجور .
قال الله تعالى في وصية لقمان لابنه ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذالك من عزم الأمور ) .
فربط في وصيته بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى الذي سيلحقه من ذالك .
وأفضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما كان عند أئمة الجور والدجل والظلم بل هو من الجهاد في سبيل الله .
ففي الحديث عن أبي امامة رضي الله عنه (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) صححه الألباني .
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح , مسالح الدجال فيقولون له أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحد دونه فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع بطنه وظهره ضربا فيقول أما تؤمن بي فيقول أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوى قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال فيذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النار وإنما ألقي في الجنة هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) صححه الألباني .  . ‌ 
فطوبى لمن رزق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق عند سلطان جائر فهو جهاد من أعظم الجهاد في سبيل الله ومن قتل وحالته هذه فانه يرجى له أن يبلغ أعلى درجات الشهداء عند الله .
وانظروا إلى قتيل الدجال كيف نال هذه الدرجة العظيمة وكان أعظم الناس شهادة عند رب العالمين وذالك لمناظرته للدجال وكشفه لدجله وكذبه وثباته في ذالك فكان جزاؤه أن كان أعظم الناس شهادة عند رب العالمين .
فالواجب على المسلم ولا سيما العلماء وطلاب العلم أن يصبروا على هذه الشعيرة العظيمة وان يقولوا كلمة الحق عند أئمة الجور والظلم والطغيان وان يصبروا على الأذى الذي قد يلحقهم من جراء ذالك ولو أدى ذالك إلى موتهم فلو حدث ذالك رجي لهم عظيم الأجر والثواب .
ولنا في أنبياء الله أسوة فهذا السيد الحصور يحيى عليه السلام قد قتل على قول الحق وقدم رأسه لبغي ونشر بالمنشار زكريا عليه السلام , وغيرهم من الأنبياء الذين قتلهم قومهم كثير .
وكذالك لنا في سلف الأمة أسوة الذين ثبتوا في وجه الباطل وقالوا كلمة الحق فمنهم من اسر ومنهم من قتل ومثل به ومنهم من اخرج من دياره كأحمد بن حنبل والبويطي واحمد بن نصر ومحمد بن نوح وغيرهم من الذين ثبتوا في فتنة القول بخلق القران وغير ذالك كثير .
ويشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقارعة العلمانيين وأهل البدع والرويبضات وأهل الفسق والفجور ومحاربتهم والرد عليهم وكشف باطلهم للناس وتوضيح زيفهم .
والإنسان الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يكون عرضة للفتن وتسلط أهل الفسق عليه وربما يأتون إليه ليصدوه عن الحق الذي هو عليه بخلاف لو كان ايجابيا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فحينئذ يكون هم أهل الباطل في أن يكف عنهم ويدعهم وشانهم ولا يطمعون في ثنيه عن الحق ورده عنه .
هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .
كتبه أبو حفص .
يتبع إن شاء الله .



 ‌  

من الارشيف / الوقاية من الفتن ( الجزء الأول التوحيد هو الأساس ) .

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد .

***

فأسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وان يبارك لنا ولكم العيد انه سميع قريب .
فسابدا هذا الموضوع الهام والذي هو خلاصة دراسة أحاديث الملاحم والفتن والذي يتناول موضوع الوقاية من الفتن في ضوء النصوص التي جاءت في هذا الباب .
فأقول وبالله التوافيق أن النصوص التي جاءت في الوقاية من الفتن كثيرة بعضها خاص في فتن بعينها ولأناس بأعينهم ولأزمنة بعينها وبعضها عام .
فكل فتنة من الفتن يكون لها فقه خاص للوقاية منها وقد ضل في هذا الباب بعض من لم يتأمل هذه النصوص جيدا للأسف فاخذ ببعضها وترك البعض الآخر .
فبعض الناس جعل الاعتزال و الخمول الوسيلة الأنسب للخروج من الفتن كلها فنجده يوصي بالاعتزال في كل فتنة والانشغال بخاصة النفس وترك الناس حتى تنجلي الفتن .
ولا شك أن هذا فهم خاطئ فليس كل فتنة يجب فيها الاعتزال والخمول وإلا لتسلط أهل البغي والنفاق على المؤمنين ولغلب أهل الفساد وكثر الخبث كما هو مشاهد اليوم .
فالوقاية من الفتن تارة تكون بالسيف وتارة تكون بالاعتزال وتارة تكون بالهجرة والفرار بالدين وتارة تكون بلزوم الجماعة إلى غير ذالك من الطرق التي جاءت في النصوص للوقاية من الفتن ويختلف هذا باختلاف الفتنة وزمانها واختلاف حال الإنسان في العلم والفقه فلابد من معرفة كل هذه الظروف حتى يخرج الإنسان من الفتن بشكل صحيح .
وقبل الاستطراد في ذكر نصوص الوقاية من الفتن فلابد من الكلام على أهمية لزوم التوحيد للثبات على الدين والخروج من الفتن .
ففي ظل هذه السنوات العجاف التي تمر بالناس والتي عظم فيها الحرب على التوحيد وأصول الدين من قبل أعداء الملة من اليهود والنصارى وغيرهم من شياطين النظام العالمي الجديد والذي يهدف إلى طمس التوحيد وهدم أركانه وإزالة معالمه تمهيدا لإحلال هذا النظام بدلا منه .
فهذا النظام الشيطاني يعتمد على شعارات براقة وجاذبة في مظهرها ولكنها تحمل في طياتها السم الزعاف المنافي للتوحيد والعقيدة الصحيحة النابعة من الكتاب والسنة .
فهو يرفع شعارات الحرية والتسامح والسلام والمحبة وتعايش الحضارات وغير ذالك من الشعارات البراقة والتي في جوهرها تخالف عقيدة الولاء والبراء وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
فالأخلاق الطيبة والصفات الحميدة التي تجمع عليها الأمم بمختلف مللها ومذاهبها لا تكفي للدخول في الإسلام والنجاة من النار .
قال الله تعالى ( ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله فإذا فعلوا ذالك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ) الحديث .
والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة أكثر من ثلاثة عشر عاما يطلب من كفار قريش كلمة واحدة يملكوا بها العرب والعجم فلم يعطوها له وهي شهادة أن لا اله الله وان محمدا رسول الله فأبوا أن يقولوها لعلمهم حقيقة هذه الكلمة وأنها تحمل في طياتها توحيد الله وإفراده بالعبادة والطاعة وان يكون الدين كله لله ويترك ما سواه من الأصنام والطواغيت .
قال الله تعالى عن هؤلاء المشركين ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب . وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) .
فالتوحيد هو أساس الدين ولا يقبل الله إسلام عبد لا توحيد له والخلاف بيننا وبين الأمم الأخرى هو في التوحيد ولا مجال للالتقاء بيننا وبينهم إلا أن يشهدوا أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله ويدخلوا في دين الله ويوحدوه .
فالتوحيد هو الذي ينجي من النار ويدخل الجنة وهو حق الله على العباد ومن مات على التوحيد دخل الجنة بإذن الله حتى وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر وبلغت عنان السماء .
وحقيقة التوحيد هي التي كان عليها الجيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان بعد ذالك إلى يوم الدين .
حيث جعلوا الولاء والبراء على التوحيد ونبذوا العصبيات وأمور الجاهلية وأصبح بلال الحبشي اخو أبو بكر وعمر والقرشيان حتى قال عمر اعترافا بفضل بلال قال : أبو بكر سيدنا واعتق بلالا سيدنا .
وفي معركة بدر اسر أخ لمصعب بن عمير رضي الله عنه كان يقاتل مع المشركين فمر به مصعب وقد أسره احد الأنصار فقال للأنصاري شد وثاقه فان أمه ستفديه بمال كثير ! فقال له أخوه أهذه وصاتك بأخيك ؟! فقال له : هو أخي دونك يقصد الأنصاري !
فالخلاف على التوحيد ومن اجل التوحيد أنزلت الكتب وجردت السيوف وسالت دماء الموحدين في سبيل الله .
ولذالك أيها الإخوة مهما عمل العبد من أعمال صالحة سواء كانت صدقات أو خدمة حجاج بيت الله الحرام ومساعدة الفقراء والمساكين ونصرة المظلومين وغير ذالك من وجوه الخير فان هذه الأعمال لا قيمة لها من دون توحيد ويجعلها الله هباء يوم القيامة إذا مات صاحبها على الشرك .
قال الله تعالى ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذالك هو الضلال البعيد ) وقال ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وقال ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) .
وكذالك لما احتج كفار قريش بخدمة حجاج بيت الله الحرام وعمارة المسجد الحرام وأنهم أولى بالبيت والفضل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رد الله عليهم بتقرير التوحيد وانه هو الأصل وانه لا مجال للمقارنة بين هذه الأعمال التي يقومون بها وبين التوحيد الذي يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال سبحانه ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
فالمشرك مهما قدم من أعمال صالحة ومهما كان حسن الأخلاق والتعامل فان هذا لا ينفعه من غير توحيد وإذا مات على شركه لم يرح رائحة الجنة .
فرجل فاجر موحد خير من رجل كافر حسن الأخلاق والتعامل !
قال الله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ألئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) .
فالتوحيد له قيمة عظيمة لا تعادلها أي قيمة أخرى وحرمة الموحد عظيمة في الإسلام وحقوقه معروفة في دين الله وشرعه .
وهذه المسالة هامة جدا يغفل عنها الكثير من الناس من الدهماء وغيرهم فليس كل من قام ببعض الأعمال الصالحة فهو موحد تجب محبته والولاء له فالأصل هو التوحيد ومن جاء بأعمال تنافي التوحيد أو كماله فيجب مفاصلته وبغضه والعلم أن هذه الأعمال لا تنفعه من غير توحيد .
والطواغيت اليوم يقومون بإظهار أعمالهم الخيرية التي يقدمونها في وسائل الإعلام من باب الدجل والتدليس على الناس ويدعون تطبيق الشريعة وإقامة التوحيد بينما هم في حقيقة الأمر أعداء للتوحيد ومحادين لله ورسوله ويسعون في هدم عرى الدين والإيمان وإقامة حكم الطاغوت .
وعامة الناس ينخدعون ببعض أعمالهم الخيرية التي يظهرونها في وسائل الإعلام للأسف , ويقوم هؤلاء الطواغيت بتسخير الرويبضات وعلماء السوء ودعاة الضلال للتسبيح بحمدهم وقدسهم والحف من حول عرشهم والاعتراف بفضلهم وادعاء تطبيق شرع الله ودينه ليصدقهم المغفلون والسذج في ذالك .
هذا وفي حقيقة الحال هم يرتكبون الأعمال المخالفة للتوحيد والمنافية له ولكماله من موالاة النصارى ودعم الصليبيين على إخوانهم المسلمين ومحاربة الجهاد والمجاهدين والسعي في إطفاء نور الله والاستهزاء بدين الله وشرعه في وسائل إعلامهم وتمييع العقيدة في نفوس الناس والعمل على إحلال الوطنيات والقوميات والموالاة على أساس الوطنية وتبديل شرع الله والتمكين للطاغوت وحكمه .
والحق الذي يجب أن يقال هنا ويعرفه الجميع انه لا توجد دولة اليوم تطبق الشريعة وان الحكومات التي تحكم المسلمين اليوم هي حكومات يقوم عليها مجموعة من الطواغيت والمجرمين والسراق يساعدهم ويملي لهم في ذالك علماء السوء والسلطان وفقهاء الضلال .
فكل طاغوت اليوم له دواب صالحة للركوب من علماء السلطان وفقهاء التسول يقوم بتمرير باطله بامتطاء ظهورهم .
فالحاصل أيها الإخوة انه لا يمكن الخروج من الفتن إلا بتطبيق التوحيد تطبيقا عمليا صحيحا وإقامة شرع الله ودينه كما كان عليه الجيل الأول من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وعندما يطبق التوحيد التطبيق الصحيح فستنعم الأمة بالحياة الرغيدة التي نعم بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولرأينا الشامي واليماني والنجدي والسوداني والهندي والعراقي وغيرهم كلهم تجمعهم مظلة الإسلام والأخوة في الله وانه لا فرق بينهم ولا فضل لأحد على احد إلا بالتقوى .
وهناك بعض النماذج اليوم يعرفها الجميع لإمارات إسلامية أقيمت على شرع الله تساوى فيها العربي والأعجمي وجمعتهم مظلة الإسلام تحت قيادات من مختلف الأعراق والأنساب , كما هو الحال في أفغانستان في دولة الطالبان وفي دولة العراق الإسلامية في العراق وغير ذالك من الإمارات التي أقيمت على الشريعة وتساوى الناس فيها بمختلف أعراقهم وقبائلهم , وعادت فيها معاني أخوة الدين والجسد الواحد .
ولا يمكن على الإطلاق أن يجتمع التوحيد وإقامة شرع الله مع القوميات والجنسيات والإيمان بحدود سايس بيكو والموالاة على أساس الوطنية والقومية وما إلى ذالك من أمور الجاهلية وتنظيرات الطواغيت الباطلة .
وما يسميه الطواغيت اليوم تطبيقا للشريعة انما هو دجل وكذب وتدليس على الناس واستهزاء بدين الله وشرعه وهؤلاء كمن قال الله فيهم ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ألئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ) .
وللأسف فان الكثير من الناس اليوم حتى من المستقيمين وطلاب العلم كاد ينسى هذه المعاني مع طول الأمد وتسلط الطواغيت والمجرمين حيث تسمع في حديثه مفردات الوطنية والقوميات والجنسيات ويبرر للطواغيت فعل هذه الأمور بحجة أن هذا الزمان لا بد فيه من هذه الأمور وغير ذالك من التبريرات الباطلة .
وعلى كل فالأمة اليوم تعيش تغييرات جذرية وتمر بطبق جديد وقد لاحت في الأفق فرصة لأهل الحق والباحثين عن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إلى إقامة دولتهم وإماراتهم فالتغيير قادم بفضل الله إلى مختلف الدول العربية والإسلامية فكل دولة سيأتيها التغيير وتتاح الفرصة للناس ليختاروا ما يريدون , فبإمكان أهل الشام وليبيا واليمن ومصر وباقي الدول تأتي إن شاء الله البدء بإقامة النواة لإمارات إسلامية تمهيدا لقيام الخلافة الراشدة ومبايعة المهدي أميرا للأمة كلها بإذن الله .
والحاصل هنا أيها الإخوة أن إقامة التوحيد وأصول الدين والجهاد في سبيل الله والولاء والبراء هي أصل الوقاية من الفتن فلابد من استصحاب هذا الأمر وجعله نصب العين وعدم الالتفات إلى تلبيسات الطواغيت ودجلهم وعدم التنازل عن أصول الدين ومبادئه تحت أي ظرف من الظروف , فمن فعل ذالك فقد قام بسد أعظم أبواب الفتن على نفسه بفضل الله .
والحذر كل الحذر من دعوات الجاهلية وتلبيس الدجاجلة ومن دعوات القومية والوطنيات الزائفة والإيمان بحدود سايس بيكو ومن شعارات النظام العالمي الجديد الداعية إلى إقامة التسامح والحرية وتعايش الأمم تعايشا سلميا وهي في جوهرها تدعو إلى طمس الأصول وعقيدة الولاء والبراء ومحاربة الجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود .
واعلموا أن تطبيق التوحيد لا يقبل أنصاف الحلول ولا يقبل عقيدة تعبد إلهنا عام وألهك عام أو الالتقاء مع أهل الكفر والشرك في منتصف الطريق بل عقيدة التوحيد هي عقيدة ( لكم دينكم ولي دين ) .
فلا مجال لأنصاف الحلول في باب العقيدة أو أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض , كما هو حال الطواغيت وأعداء الدين اليوم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ثم يدعون تطبيق الشريعة بحذافيرها وإقامة دين الله .
والله اعلم .
يتبع إن شاء الله .
كتبه أبو حفص .


بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاكثر مشاهدة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة