الاثنين، 3 فبراير 2014

من الارشيف / الوقاية من الفتن ( الجزء الثاني ما جاء في قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد .

***
شرع الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال أهل البغي أيها الإخوة درءا للفتن وسدا لبابها وحماية لسفينة المجتمع من تسلط أهل البغي والفسق والفجور وكثرة الخبث والموبقات .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال أهل البغي هي الايجابية التي يجب أن يكون عليها المجتمع إحقاقا للحق وحماية للأمة ودفعا لأهل الظلم والفجور .
ولو أن الأمة تقوم بواجبها في ذالك لما تسلط عليها الطغاة والمجرمون ولما عظمت الفتن ولما عاد الدين غريبا كما بدا غريبا ولما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه اليوم .
يقول المولى جل وعلا ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين ) .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الاية الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :  ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا )  يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ أَهْل الْإِيمَان اِقْتَتَلُوا , فَأَصْلِحُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَيْنهمَا بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْم كِتَاب اللَّه , وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا , وَذَلِكَ هُوَ الْإِصْلَاح بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله ) :  وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء إِلَى أَمْر اللَّه ( فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا اِقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى حُكْم اللَّه , وَيُنْصِف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , فَإِنْ أَجَابُوا حَكَمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه , حَتَّى يُنْصِف الْمَظْلُوم مِنْ الظَّالِم , فَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ أَنْ يُجِيب فَهُوَ بَاغٍ , فَحَقّ عَلَى إِمَام الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجَاهِدهُمْ وَيُقَاتِلهُمْ , حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْر اللَّه , وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّه .انتهى .
ولو اعتزل الناس قتال أهل البغي والأخذ على أيديهم حتى يعودوا إلى جادة الحق لعظمت الفتن ولتسلط الفجار والظلمة على الناس ولغرقت سفينة المجتمع .
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والله ما ندمت على شئ ندمي على تركي قتال البغاة !
وذالك لما رأى ما آلت إليه الأمور بعد ذالك وعلم أن عليا رضي الله عنه كان محقا في اجتهاده في ذالك وكان الواجب على الناس ألا يختلفوا عليه رضي الله عنه , وان يقاتلوا معه ألئك البغاة حتى يردوهم إلى جادة الحق .
وفي الحديث عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ). فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال ( تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه ) . متفق عليه .
وكذالك فان من أهم أسباب الوقاية من الفتن ودرئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يمكن أن تسلم سفينة المجتمع من غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فعند الترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) حسنه الألباني .
فالناس مخيرون بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو نزول العقاب من الله وتسلط أهل الفسق والفجور وغرق سفينة المجتمع .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول درء الفتن وحماية المجتمع من كثرة الخبث والفتن .
والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينجيه الله من الفتن ويصرف عنه العقاب إذا نزل بالناس , وقد جاء في قصة أهل السبت أن الله إنما نجى الآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر دون غيرهم فقال ( وإذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون . فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) .
فالذين نجوا من عذاب الله هم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أما الذين اعتدوا في السبت فقد مسخهم الله قردة وخنازير واختلف أهل التفسير في الذين قالوا ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) فقال بعضهم أنهم هلكوا مع من هلكوا وقال آخرون أنهم نجوا مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
وعلى المسلم أن يصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق وان يصبر على الأذى المترتب على ذالك ينال عظيم الاجر عند الله فمن يقوم بهذه الفريضة فلابد أن يلحقه الأذى من أهل الفسق والفجور .
قال الله تعالى في وصية لقمان لابنه ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذالك من عزم الأمور ) .
فربط في وصيته بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى الذي سيلحقه من ذالك .
وأفضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما كان عند أئمة الجور والدجل والظلم بل هو من الجهاد في سبيل الله .
ففي الحديث عن أبي امامة رضي الله عنه (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) صححه الألباني .
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح , مسالح الدجال فيقولون له أين تعمد فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول ما بربنا خفاء فيقولون اقتلوه فيقول بعضهم لبعض أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحد دونه فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح فيقول خذوه وشجوه فيوسع بطنه وظهره ضربا فيقول أما تؤمن بي فيقول أنت المسيح الكذاب فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوى قائما ثم يقول له أتؤمن بي فيقول ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدجال فيذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النار وإنما ألقي في الجنة هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) صححه الألباني .  . ‌ 
فطوبى لمن رزق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق عند سلطان جائر فهو جهاد من أعظم الجهاد في سبيل الله ومن قتل وحالته هذه فانه يرجى له أن يبلغ أعلى درجات الشهداء عند الله .
وانظروا إلى قتيل الدجال كيف نال هذه الدرجة العظيمة وكان أعظم الناس شهادة عند رب العالمين وذالك لمناظرته للدجال وكشفه لدجله وكذبه وثباته في ذالك فكان جزاؤه أن كان أعظم الناس شهادة عند رب العالمين .
فالواجب على المسلم ولا سيما العلماء وطلاب العلم أن يصبروا على هذه الشعيرة العظيمة وان يقولوا كلمة الحق عند أئمة الجور والظلم والطغيان وان يصبروا على الأذى الذي قد يلحقهم من جراء ذالك ولو أدى ذالك إلى موتهم فلو حدث ذالك رجي لهم عظيم الأجر والثواب .
ولنا في أنبياء الله أسوة فهذا السيد الحصور يحيى عليه السلام قد قتل على قول الحق وقدم رأسه لبغي ونشر بالمنشار زكريا عليه السلام , وغيرهم من الأنبياء الذين قتلهم قومهم كثير .
وكذالك لنا في سلف الأمة أسوة الذين ثبتوا في وجه الباطل وقالوا كلمة الحق فمنهم من اسر ومنهم من قتل ومثل به ومنهم من اخرج من دياره كأحمد بن حنبل والبويطي واحمد بن نصر ومحمد بن نوح وغيرهم من الذين ثبتوا في فتنة القول بخلق القران وغير ذالك كثير .
ويشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقارعة العلمانيين وأهل البدع والرويبضات وأهل الفسق والفجور ومحاربتهم والرد عليهم وكشف باطلهم للناس وتوضيح زيفهم .
والإنسان الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يكون عرضة للفتن وتسلط أهل الفسق عليه وربما يأتون إليه ليصدوه عن الحق الذي هو عليه بخلاف لو كان ايجابيا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فحينئذ يكون هم أهل الباطل في أن يكف عنهم ويدعهم وشانهم ولا يطمعون في ثنيه عن الحق ورده عنه .
هذا والله اعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .
كتبه أبو حفص .
يتبع إن شاء الله .



 ‌  

0 التعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاكثر مشاهدة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة