الاثنين، 3 فبراير 2014

من الارشيف / الوقاية من الفتن ( الجزء الأول التوحيد هو الأساس ) .

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد .

***

فأسال الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وان يبارك لنا ولكم العيد انه سميع قريب .
فسابدا هذا الموضوع الهام والذي هو خلاصة دراسة أحاديث الملاحم والفتن والذي يتناول موضوع الوقاية من الفتن في ضوء النصوص التي جاءت في هذا الباب .
فأقول وبالله التوافيق أن النصوص التي جاءت في الوقاية من الفتن كثيرة بعضها خاص في فتن بعينها ولأناس بأعينهم ولأزمنة بعينها وبعضها عام .
فكل فتنة من الفتن يكون لها فقه خاص للوقاية منها وقد ضل في هذا الباب بعض من لم يتأمل هذه النصوص جيدا للأسف فاخذ ببعضها وترك البعض الآخر .
فبعض الناس جعل الاعتزال و الخمول الوسيلة الأنسب للخروج من الفتن كلها فنجده يوصي بالاعتزال في كل فتنة والانشغال بخاصة النفس وترك الناس حتى تنجلي الفتن .
ولا شك أن هذا فهم خاطئ فليس كل فتنة يجب فيها الاعتزال والخمول وإلا لتسلط أهل البغي والنفاق على المؤمنين ولغلب أهل الفساد وكثر الخبث كما هو مشاهد اليوم .
فالوقاية من الفتن تارة تكون بالسيف وتارة تكون بالاعتزال وتارة تكون بالهجرة والفرار بالدين وتارة تكون بلزوم الجماعة إلى غير ذالك من الطرق التي جاءت في النصوص للوقاية من الفتن ويختلف هذا باختلاف الفتنة وزمانها واختلاف حال الإنسان في العلم والفقه فلابد من معرفة كل هذه الظروف حتى يخرج الإنسان من الفتن بشكل صحيح .
وقبل الاستطراد في ذكر نصوص الوقاية من الفتن فلابد من الكلام على أهمية لزوم التوحيد للثبات على الدين والخروج من الفتن .
ففي ظل هذه السنوات العجاف التي تمر بالناس والتي عظم فيها الحرب على التوحيد وأصول الدين من قبل أعداء الملة من اليهود والنصارى وغيرهم من شياطين النظام العالمي الجديد والذي يهدف إلى طمس التوحيد وهدم أركانه وإزالة معالمه تمهيدا لإحلال هذا النظام بدلا منه .
فهذا النظام الشيطاني يعتمد على شعارات براقة وجاذبة في مظهرها ولكنها تحمل في طياتها السم الزعاف المنافي للتوحيد والعقيدة الصحيحة النابعة من الكتاب والسنة .
فهو يرفع شعارات الحرية والتسامح والسلام والمحبة وتعايش الحضارات وغير ذالك من الشعارات البراقة والتي في جوهرها تخالف عقيدة الولاء والبراء وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا .
فالأخلاق الطيبة والصفات الحميدة التي تجمع عليها الأمم بمختلف مللها ومذاهبها لا تكفي للدخول في الإسلام والنجاة من النار .
قال الله تعالى ( ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقال ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله فإذا فعلوا ذالك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله ) الحديث .
والنبي صلى الله عليه وسلم بقي في مكة أكثر من ثلاثة عشر عاما يطلب من كفار قريش كلمة واحدة يملكوا بها العرب والعجم فلم يعطوها له وهي شهادة أن لا اله الله وان محمدا رسول الله فأبوا أن يقولوها لعلمهم حقيقة هذه الكلمة وأنها تحمل في طياتها توحيد الله وإفراده بالعبادة والطاعة وان يكون الدين كله لله ويترك ما سواه من الأصنام والطواغيت .
قال الله تعالى عن هؤلاء المشركين ( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . اجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب . وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) .
فالتوحيد هو أساس الدين ولا يقبل الله إسلام عبد لا توحيد له والخلاف بيننا وبين الأمم الأخرى هو في التوحيد ولا مجال للالتقاء بيننا وبينهم إلا أن يشهدوا أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله ويدخلوا في دين الله ويوحدوه .
فالتوحيد هو الذي ينجي من النار ويدخل الجنة وهو حق الله على العباد ومن مات على التوحيد دخل الجنة بإذن الله حتى وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر وبلغت عنان السماء .
وحقيقة التوحيد هي التي كان عليها الجيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان بعد ذالك إلى يوم الدين .
حيث جعلوا الولاء والبراء على التوحيد ونبذوا العصبيات وأمور الجاهلية وأصبح بلال الحبشي اخو أبو بكر وعمر والقرشيان حتى قال عمر اعترافا بفضل بلال قال : أبو بكر سيدنا واعتق بلالا سيدنا .
وفي معركة بدر اسر أخ لمصعب بن عمير رضي الله عنه كان يقاتل مع المشركين فمر به مصعب وقد أسره احد الأنصار فقال للأنصاري شد وثاقه فان أمه ستفديه بمال كثير ! فقال له أخوه أهذه وصاتك بأخيك ؟! فقال له : هو أخي دونك يقصد الأنصاري !
فالخلاف على التوحيد ومن اجل التوحيد أنزلت الكتب وجردت السيوف وسالت دماء الموحدين في سبيل الله .
ولذالك أيها الإخوة مهما عمل العبد من أعمال صالحة سواء كانت صدقات أو خدمة حجاج بيت الله الحرام ومساعدة الفقراء والمساكين ونصرة المظلومين وغير ذالك من وجوه الخير فان هذه الأعمال لا قيمة لها من دون توحيد ويجعلها الله هباء يوم القيامة إذا مات صاحبها على الشرك .
قال الله تعالى ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذالك هو الضلال البعيد ) وقال ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وقال ( وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة ) .
وكذالك لما احتج كفار قريش بخدمة حجاج بيت الله الحرام وعمارة المسجد الحرام وأنهم أولى بالبيت والفضل من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رد الله عليهم بتقرير التوحيد وانه هو الأصل وانه لا مجال للمقارنة بين هذه الأعمال التي يقومون بها وبين التوحيد الذي يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال سبحانه ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
فالمشرك مهما قدم من أعمال صالحة ومهما كان حسن الأخلاق والتعامل فان هذا لا ينفعه من غير توحيد وإذا مات على شركه لم يرح رائحة الجنة .
فرجل فاجر موحد خير من رجل كافر حسن الأخلاق والتعامل !
قال الله تعالى ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ألئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) .
فالتوحيد له قيمة عظيمة لا تعادلها أي قيمة أخرى وحرمة الموحد عظيمة في الإسلام وحقوقه معروفة في دين الله وشرعه .
وهذه المسالة هامة جدا يغفل عنها الكثير من الناس من الدهماء وغيرهم فليس كل من قام ببعض الأعمال الصالحة فهو موحد تجب محبته والولاء له فالأصل هو التوحيد ومن جاء بأعمال تنافي التوحيد أو كماله فيجب مفاصلته وبغضه والعلم أن هذه الأعمال لا تنفعه من غير توحيد .
والطواغيت اليوم يقومون بإظهار أعمالهم الخيرية التي يقدمونها في وسائل الإعلام من باب الدجل والتدليس على الناس ويدعون تطبيق الشريعة وإقامة التوحيد بينما هم في حقيقة الأمر أعداء للتوحيد ومحادين لله ورسوله ويسعون في هدم عرى الدين والإيمان وإقامة حكم الطاغوت .
وعامة الناس ينخدعون ببعض أعمالهم الخيرية التي يظهرونها في وسائل الإعلام للأسف , ويقوم هؤلاء الطواغيت بتسخير الرويبضات وعلماء السوء ودعاة الضلال للتسبيح بحمدهم وقدسهم والحف من حول عرشهم والاعتراف بفضلهم وادعاء تطبيق شرع الله ودينه ليصدقهم المغفلون والسذج في ذالك .
هذا وفي حقيقة الحال هم يرتكبون الأعمال المخالفة للتوحيد والمنافية له ولكماله من موالاة النصارى ودعم الصليبيين على إخوانهم المسلمين ومحاربة الجهاد والمجاهدين والسعي في إطفاء نور الله والاستهزاء بدين الله وشرعه في وسائل إعلامهم وتمييع العقيدة في نفوس الناس والعمل على إحلال الوطنيات والقوميات والموالاة على أساس الوطنية وتبديل شرع الله والتمكين للطاغوت وحكمه .
والحق الذي يجب أن يقال هنا ويعرفه الجميع انه لا توجد دولة اليوم تطبق الشريعة وان الحكومات التي تحكم المسلمين اليوم هي حكومات يقوم عليها مجموعة من الطواغيت والمجرمين والسراق يساعدهم ويملي لهم في ذالك علماء السوء والسلطان وفقهاء الضلال .
فكل طاغوت اليوم له دواب صالحة للركوب من علماء السلطان وفقهاء التسول يقوم بتمرير باطله بامتطاء ظهورهم .
فالحاصل أيها الإخوة انه لا يمكن الخروج من الفتن إلا بتطبيق التوحيد تطبيقا عمليا صحيحا وإقامة شرع الله ودينه كما كان عليه الجيل الأول من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وعندما يطبق التوحيد التطبيق الصحيح فستنعم الأمة بالحياة الرغيدة التي نعم بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولرأينا الشامي واليماني والنجدي والسوداني والهندي والعراقي وغيرهم كلهم تجمعهم مظلة الإسلام والأخوة في الله وانه لا فرق بينهم ولا فضل لأحد على احد إلا بالتقوى .
وهناك بعض النماذج اليوم يعرفها الجميع لإمارات إسلامية أقيمت على شرع الله تساوى فيها العربي والأعجمي وجمعتهم مظلة الإسلام تحت قيادات من مختلف الأعراق والأنساب , كما هو الحال في أفغانستان في دولة الطالبان وفي دولة العراق الإسلامية في العراق وغير ذالك من الإمارات التي أقيمت على الشريعة وتساوى الناس فيها بمختلف أعراقهم وقبائلهم , وعادت فيها معاني أخوة الدين والجسد الواحد .
ولا يمكن على الإطلاق أن يجتمع التوحيد وإقامة شرع الله مع القوميات والجنسيات والإيمان بحدود سايس بيكو والموالاة على أساس الوطنية والقومية وما إلى ذالك من أمور الجاهلية وتنظيرات الطواغيت الباطلة .
وما يسميه الطواغيت اليوم تطبيقا للشريعة انما هو دجل وكذب وتدليس على الناس واستهزاء بدين الله وشرعه وهؤلاء كمن قال الله فيهم ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ألئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ) .
وللأسف فان الكثير من الناس اليوم حتى من المستقيمين وطلاب العلم كاد ينسى هذه المعاني مع طول الأمد وتسلط الطواغيت والمجرمين حيث تسمع في حديثه مفردات الوطنية والقوميات والجنسيات ويبرر للطواغيت فعل هذه الأمور بحجة أن هذا الزمان لا بد فيه من هذه الأمور وغير ذالك من التبريرات الباطلة .
وعلى كل فالأمة اليوم تعيش تغييرات جذرية وتمر بطبق جديد وقد لاحت في الأفق فرصة لأهل الحق والباحثين عن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة إلى إقامة دولتهم وإماراتهم فالتغيير قادم بفضل الله إلى مختلف الدول العربية والإسلامية فكل دولة سيأتيها التغيير وتتاح الفرصة للناس ليختاروا ما يريدون , فبإمكان أهل الشام وليبيا واليمن ومصر وباقي الدول تأتي إن شاء الله البدء بإقامة النواة لإمارات إسلامية تمهيدا لقيام الخلافة الراشدة ومبايعة المهدي أميرا للأمة كلها بإذن الله .
والحاصل هنا أيها الإخوة أن إقامة التوحيد وأصول الدين والجهاد في سبيل الله والولاء والبراء هي أصل الوقاية من الفتن فلابد من استصحاب هذا الأمر وجعله نصب العين وعدم الالتفات إلى تلبيسات الطواغيت ودجلهم وعدم التنازل عن أصول الدين ومبادئه تحت أي ظرف من الظروف , فمن فعل ذالك فقد قام بسد أعظم أبواب الفتن على نفسه بفضل الله .
والحذر كل الحذر من دعوات الجاهلية وتلبيس الدجاجلة ومن دعوات القومية والوطنيات الزائفة والإيمان بحدود سايس بيكو ومن شعارات النظام العالمي الجديد الداعية إلى إقامة التسامح والحرية وتعايش الأمم تعايشا سلميا وهي في جوهرها تدعو إلى طمس الأصول وعقيدة الولاء والبراء ومحاربة الجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود .
واعلموا أن تطبيق التوحيد لا يقبل أنصاف الحلول ولا يقبل عقيدة تعبد إلهنا عام وألهك عام أو الالتقاء مع أهل الكفر والشرك في منتصف الطريق بل عقيدة التوحيد هي عقيدة ( لكم دينكم ولي دين ) .
فلا مجال لأنصاف الحلول في باب العقيدة أو أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض , كما هو حال الطواغيت وأعداء الدين اليوم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ثم يدعون تطبيق الشريعة بحذافيرها وإقامة دين الله .
والله اعلم .
يتبع إن شاء الله .
كتبه أبو حفص .


0 التعليقات:

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاكثر مشاهدة

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة